
ل.ص- يتفق كل من يدخل أسواق الماشية عبر الوطن على أن هناك معادلة أخرى تحدد سيرورة التعامل بين الموال وبين المواطن، طرف ثالث أضحى يمتلك القدرة على تحديد الأسعار وحتى توجيهها إلى صالحه على حساب الموال وعلى حساب المواطن، هذا الطرف يُطلق عليه تجار المناسبة أو بعبارة أدق "البزانسية" الذين أضحى تحكمهم واضحا وجليا في إدارة عملية البيع والشراء.
ونحن على بعد أيام من عيد الأضحى المبارك، والدليل على "جبروت" هذا الطرف الثالث وتحكمه في الحركية التجارية في أسواق الماشية أن كلا من الموال والمواطن يشتكي، الأول يشتكي من انخفاض الأسعار والثاني يشتكي من ارتفاعها، ليبقى البحث جاريا عن حل لهذه المعادلة، رغم أنها حلها موجود وبحوزة تجار المواشي أو تجار المناسبة الذين تتطعم بهم الأسواق كل يوم، ليذهب الموال والمواطن ضحية هذا الطرف الثالث حسب تصريحات هؤلاء.
الموّالون يؤكدون أن نشاطهم أضحى غير مجدٍ!
في أسواق الماشية وفور دخولك إليها، تصطدم دوما بتذمر واستياء الموالين بكون السوق "حابس" لا بيع ولا شراء وأن المواشي أضحت عبئا عليهم ومن يوم لآخر يتم نقلها إلى الأسواق دون جدوى، وأكثر من ذلك يؤكد هؤلاء أن الأسعار "هابطة" ومنخفضة جدا وهو الوضع الذي انعكس عليهم وتسبب لهم في خسائر متواصلة، خاصة أنهم مجبرون على شراء المزيد من الأعلاف في ظل الارتفاع المتواصل لها في الأسواق والتجمعات التجارية. وأكد موالون في تصريحاتهم لـ«البلاد" أن الأضحية يتم تأهيلها طوال العام ومنها ما تأكل قيمتها وأكثر ليقفوا في النهاية على أن الأضحية يستفيد منها التاجر والمواطن فقط والموال لا يربح غير التعب.
وتحدث موال قائلا: " إن أسعار المواشي خلال هذا الموسم حافظت على استقرارها نسبيا، فسعر الكبش في العيد الماضي وصل إلى حدود 5 ملايين سنتيم إلا أنه سعر الكبش نفسه وبالمواصفات نفسها هو في حدود 5.5 ملايين فقط"، كاشفا في حديثه عن أن حتى لهفة المواطن في شراء الأضحية تناقصت وحتى انعدمت مقارنة بالمواسم الماضية، بدليل أن تشبع الأسواق بالمواطنين والذي كان يقف عليه في المواسم الماضية قبل عهد كورونا لم يلمسه في هذه الأيام.
وذكر موالون آخرون أن أسواق المواشي أضحت متشبعة فقط بتجار الموسم، الأمر الذي يجعل هؤلاء "البزناسية" يتحكمون فيما بعد في أسعار المواشي قبيل عيد الأضحى ويرفعون أسعارها كيفا يشاؤون. وتطلق إشاعات بإمكانية إغلاق أسواق الماشية لتزايد عدد الإصابات بوباء كورونا بين الفينة والأخرى وهو الوضع الذي يخيف الموالين بشكل كبير، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الأعلاف.
وكالعادة يؤكد الموالون أن مشكلتهم هي مع دواوين توزيع الحبوب التي اعتبروها سبب المشكلة من الأساس، متسائلين: ما معنى أن يتم منح الموالين ما وزنه 500 غرام للرأس فقط طيلة عام كامل، فيما يتم إخراج القناطير من الشعير لأشخاص سرعان ما يتم توجيهه إلى السوق السوداء وإعادة بيعها هناك والوضع نفسه مع النخالة.
المواطن يعاكس الموال والأضحية لمن استطاع إليها سبيلا!
في سياق مغاير لحديث الموالين، أكد مواطنون في تصريحاتهم لـ«البلاد" أن أسعار المواشي تلتهب من يوم لآخر وأن حديث الموالين عن أن السوق "حابس" ولا بيع ولا شراء مخالف للحقيقة، ودليلهم أن العديد من المواطنين عادوا على أعقابهم بعد وقوفهم على أن أسعار الأضاحي لم تعد في متناولهم، الأمر الذي جعلهم يؤجلون شراءها إلى الأيام التي تسبق عيد الأضحى لعل الأسعار تعود إلى وضعها وبالتالي يتمكنون من اقتناء الأضحية وإدخال الفرحة على أبنائهم.
وأشار مواطنون إلى أن سعر الكبش العادي وصل إلى 5 ملايين وهو سعر العرض وليس سعر البيع مما يعني أن الموال يطلب أكثر من هذا السعر، متسائلين: ما معنى أن يشتكي الموالون من انخفاض الأسعار؟
وأضاف هؤلاء أن شكوى الموالين من تدني الأسعار في كل مرة الهدف منه دوما هو محاولة جلب متسوقين من خارج حدود المنطقة ومواطنين آخرين من ولايات أخرى ليقفوا على ارتفاع أسعارها، وهو ما يجبرهم على شراء الأضحية عوض العودة بخفي حنين، مؤكدين أن الأسعار مبالغ فيها، إذ لا يتوانى الموالون عن تحديد سعر معين، مع استغلال الوضع الراهن يكون منطلق البيع، ليتطور هذا السعر ويبلغ مستويات قياسية.
هذه حقيقة أسواق المواشي والمتحكمون في أسعار الأضاحي!
قال موالون إن المواسم الماضية كان التعامل فيها محددا بين الموال وبين المواطن بشكل مباشر دون وساطة، إلى أن ظهر طرف آخر في السنوات الأخيرة وهو التاجر أو "البزناسي"، مشيرين في إفادتهم لـ«البلاد" إلى أن تعاملهم خلال المواسم الأخيرة أضحى مع الوسطاء والتجار أكبر من تعاملهم مع المواطن، والذين يقدمون على شراء أعداد من المواشي المعروضة في مختلف أسواق الماشية، مؤكدين في السياق ذاته أن الموال يتعب ويشقى طوال العام من أجل تأهيل الأضحية ليستفيد منها التاجر في الأخير ليبيعها كيفا شاء.
وفي سؤال حول عدم بيع الأضحية للمواطن مباشرة، أجاب أحد الموالين بالقول "الموال يدخل السوق من أجل بيع ماشيته ولا يريد العودة بها إلى مربطها حتى لا يزيد من تكاليفها وهو يسعى إلى بيعها عوض أن تكون عالة عليها لأيام أخرى"، مضيفا أن هذه الظروف تجعل الموال يتعامل مع تاجر مباشرة.
وذكر موال أن السوق هذه الأيام "حابس" لا بيع ولا شراء، حيث تم عرض خرفان بمبلغ 38 ألف للرأس واضطر إلى السير بها إلى سوقين أسبوعين حتى تمكن في الأخير من بيعها، مضيفا أن "البزانسية" هم وراء كسر الأسعار والتلاعب بها في أحيان كثيرة.
ويبقى في الأخير أن الحقيقة في أسواق الماشية تبقى مُغيبة في ظل التضارب بين الموالين والمواطنين خاصة أن الكل يشتكي من الموال والمواطن وجميعهم يقول إن الطرف الآخر هم المستفيد، الموال يرمي المواطن والتاجر والمواطن يرمي الاثنين والتاجر يشتكي من "سطوة" أسعار الموالين وهكذا.
والثابت في نهاية هذه الورقة أن مربط الفرس في أسعار الأضاحي يبقى بين الموالين وبين التجار على حساب المواطن البسيط.